عيد نُوروز والمؤامرة على الملك الميدي أَزْدَهاك
دلالات عيد نوروز:
نَوْرُوز (نُوروژ Nûroj) عيدٌ آرياني قديم جداً، تاريخُ نشأته غير معروف، يحتفل به الكورد والفرس والبُلوش والأفغان والتّاجيك أيضاً، وله ثلاث دلالات رئيسة:
- دلالة دينية: مرتبطة بالديانة اليَزدانية الشمسانية، فإشعال النار عند غروب شمس يوم 20 مارس/آذار رمزٌ إلى انتصار النور على الظُّلمة، والأرجح أن ابتهالات دينية كانت تُنشَد في تلك المناسبة مصحوبة بألحان موسيقية، وبقي اصطحاب الابتهالات بالموسيقى إلى الآن في التراث الأَيزدي، واليارْساني (كاكايي)، والآلاوي (عَلَوي).
- دلالة بيئية: مرتبطة بالاعتدال الربيعي، وتساوي الليل والنهار، وتجدّدِ الحياة في النباتات والأشجار، وولادةِ الخراف، وما يصاحب ذلك من حفلات الرقص والغناء في أحضان الطبيعة الجميلة، تعبيراً عن الفرح، واستبشاراً بالخير في البيئة الرَّعوية الزراعية.
- دلالة قومية: أصبح عيد نوروز جزءاً من التراث القومي الوطني للشعوب الآريانية ومنها الكورد، وربما كان في عيد نوروز يتمّ الاحتفال بتنصيب ملك على العرش، أو بالانتصارِ على عدوّ، أو الخلاصِ من طاغية.
وأحداث قصة أَزْدَهاك وكاوا مرتبطة بعيد نوروز، وكنت أعتقد أنها حقيقة تاريخية، وتبيّن لي بعدئذ أن وراءها مؤامرة على الملك الميدي الأخير أزدهاك، وفي 20 – 3- 2015، نشرت مقالاً بعنوان "إلى متى نُؤبلس مَلِكَنا العظيم أَزْدَهاك في نوروز؟"، وأعود مرة أخرى إلى الموضوع نظراً لأهمّيته.
الميد والفرس:
قبل الميلاد بحوالي ألف عام كان الفرس والميد (أسلاف الكورد) شعبين متجاورين، وواقعين تحت احتلال امبراطورية آشور، وظهر في الميد أربعة ملوك:
ـــ الأول: دَياكو (دَهاكو) مؤسّسُ مملكة ميديا حوالي عام 727 ق.م، وثار على مملكة آشور ووقع في الأسر.
ـــ الثاني: خَشاتْرِيت بن دَهاكو، يسمّى (فَراؤوت/براؤرت) أيضاً، سيطر على بلاد فارس، وهاجم مملكة آشور، وقُتل في المعركة عام 653 ق.م.
ـــ الثالث: كَيْخُسْرُو بن خَشاتْرِيت، أسقط مملكة آشور عام 612 ق.م، وحرّر القسمَ الأكبر من بلاد أسلاف الكورد، وتوفّي عام 585 ق.م.
ــــ الرابع: أزْدَهاك بن كَيْخُسْرو، ولعلّ اسمه (أَزْد دَهاك) بمعنى (دَهاك الأزداني/اليَزْداني) نسبةً إلى الإله الآرياني (أزْدان= يَزْدان)، وكان صاحبَ مشروع إمبراطوري، فأوصل حدود مملكة ميديا إلى أفغانستان شرقاً، وإلى المحيط الهندي جنوباً، وإلى البحر الأبيض المتوسط.
كان أَزْدَهاك ملكاً طموحاً وشجاعاً وحازماً، ومتشدّداً في محاسبة المسؤولين على تنفيذ المهمّات، فأثار نقمة بعض الزعماء الميد بقيادة هارپاگ قائد الجيش الميدي، وتآمرَ هارپاگ سرّاً مع الملك الفارسي كُورش الثاني، ودفعه إلى الثورة على أَزْدَهاك عام 553 ق.م، فتصدّى له أَزْدَهاك، وخلال المعركة تظاهر هارپاگ وأتباعه بالهزيمة، بحسب الاتفاق مع كورش، فخسر أَزْدَهاك المعركة.
تراجع أَزْدَهاك بمن بقي معه من المقاتلين إلى العاصمة أَگْباتانا (هَمَدان)، وسلّح الشعب، وقاد المقاومةَ ضدّ الفرس والميد المتآمرين معهم، لكن المهاجمين احتلّوا أَگْباتانا عام 550 ق.م، ووقع أَزْدَهاك أسيراً في قبضة كُورش، ثم أرسله كُورش ليُسجَن في مكان بعيد بشمال شرقي إيران، وفي الطريق تُرك في الصحراء يموت جوعاً وعطشاً، وبذلك قُضي رسمياً على مملكة ميديا.
والمثير للانتباه أن هارپاگ زار أزدَهاك في السجن ليتشفّى منه، وحينما ذكر هارپاگ أنه قاد المؤامرة عليه، غضب أزْدَهاك جداً، وأنّبه قائلاً:
"إذنْ فأنت لست الأشدَّ لؤماً بين البشر وحَسْب، بل أكثرَ الرجال غباءً؛ فإذا كان هذا من تدبيرك حقّاً، كان الأجدر أن تكون أنت الملك، ... وإذا كان لا بدّ لك من أن تُسلّم العرشَ لآخر غيرك، فكان الأجدر بك أن تقدّم هذه الجائزة لميدي بدلاً من فارسي، لكن الحال القائمة الآن هي أن الميديين الأبرياء من كل جُنْحَة [جريمة] غدوا عبيداً بعدما كانوا أسياداً، وأصبح الفرس سادةً عليهم بعد ما كانوا عبيداً عندهم" [تاريخ هيرودوت، ص 93]. وهذا دليل على مدى إخلاص أزدَهاك لشعبه ووطنه، ومدى غَيرته الوطنية ووعيه القومي.
في عمق المؤامرة:
في البداية تظاهر كورش بأن الحكم مشترك بين الفرس والميد، وعيّن القادةَ الميد المتآمرين وغيرَهم في مناصب عليا، وفي الوقت نفسه بدأ بتقوية النفوذ الفارسي في المملكة، وتصاعد نهجُ تفريس السلطة والثقافة والثروة في عهد ابنه الملك قَمْبَيز Gembêj، وجدير بالذكر أن قَمْبَيز كان طاغيةً، سفّاكاً للدماء، يُصاب بنوبات جنون، وأدّت سياسة التفريس إلى صحوة بعض قادة الميد والبدء بالثورات، وأبرزها ثلاث ثورات:
1- ثورة الزعيم الميدي گَاوُوماتا عام 522 ق.م في عهد قَمبيز.
2- ثورة الزعيم الميدي فراؤُرْت عام 521 ق.م. في عهد دارا الأول.
3- ثورة الزعيم الميدي چَيتْران تَخْمَه في عهد دارا الأول أيضاً.
فشلت الثورات الثلاث، وقُتل قادتُها وأتباعهم بوحشيّة، وشدّد ملوك الفرس قبضتهم على ميديا، ونسبوا حضارة الميد إلى الفرس، وكان الملك قَمْبَيز قد أوصى قادة الفرس قُبيل وفاته؛ بألّا يسمحوا للميديين بإقامة مملكة ميديا مرة ثانية مهما كلّف الأمر، فشنّ الفرس على الميد حملة تشويه وتبشيع شاملة في مجالين:
ـــ المجال الديني:
كان الميد أتباع الديانة اليَزدانية، ورفضوا دينَ النبي الميدي زَردشـت، فلجأ زَردشت إلى الحاكم الفارسي هَشْتاسْپ والد الملك دارا الأول، واعتنق هَشْتاسْپ وأتباعُه الزَّردشتية، واتّخذ الفرسُ الزَّردشتيةَ أيديولوجيا لمحاربة الدين اليَزداني بمختلف مذاهبه، ولمحاربة النفوذ السياسي الميدي، وشوّهوا سمعة رجال الدين اليَزدانيين (موغ = ماغ= مَجوس)، ونسبوا إليهم أعمال السِّحر والكُفر.
ــ المجال السياسي:
بدأ ملوك الفرس عمليةَ تفريس المملكة سياسياً وإدارياً، وأصبح ذلك منهجاً سياسياً دائماً تنفيذاً لوصيّة الملك قَمْبَيز، وفي هذا الإطار تمّ تغييبُ تاريخ ملوك ميديا وأمجادهم، وتبشيع صورة الملك الميدي الآخير أَزْدَهاك.
وفيما يلي الخطوط العامّة للمؤامرة على أَزْدَهاك باختصار شديد.
ورد في تاريخ الفرس الأسطوري؛ أن بِيوَراسْپ اغتصب العرش من وريث شرعي يُدعى (فَريدُون)، وذات يوم ظهر إبليس لبِيوَراسْپ في زيّ طبّاخ ماهر، وقبّل كتفيه، فنبتت على كتفي بِيوَراسْپ حيّتان (تِنّينان= أژدِها Ejdiha)، وكانتا تؤلمانه، فظهر له إبليس في زِيّ طبيب، ونصحه بقتل شابّين كلّ يوم، وتغذيةِ الحيّتين بمخّيهما، وتضايق الفُرس من قتل أبنائهم، فثاروا على بِيوَراسْپ، وقاد الثورةَ الحدّاد گاوَه (گاوا)، وهو من أَصْبهان ( أَسْپان Espan، كانت مدينة ميدية)، وقُتل بِيوَراسْپ، وأعاد گاوا العرشَ إلى فَريدُون، واتّخذ الفرس ذلك اليوم عيداً باسم (نوروز).
ونعتقد أنه، في مرحلة لاحقة، دمج مؤرّخو الفرس بين شخصيتَي بِيوَراسپ الفارسي وأَزْدَهاك الميدي، ونسبوا قصّة الحيّتين إلى أَزْدَهاك، مستفيدين من الشبه اللفظي بين (أَزْدَهاك) و(أَژْدِها)، وفي الوقت نفسه نسبوا الثائر الميدي گَاوا إلى الفرس، وبتعبير آخر: إنهم عكسوا الأدوار، فجعلوا الملك الطاغيةَ ميدياً والثائرَ فارسياً، ودسّ المؤرّخون والأدباء الفرس هذه الرواية بصيغ متنوّعة في كتب التاريخ خلال القرون الثلاثة الأولى من العهد الإسلامي.
اللُّعبة الفارسية:
خلال قرون الاحتلال الفارسي حُرِم الكورد من معرفة تاريخَ أسلافهم الميد، وصدقوا ما دسّه مؤرّخو الفرس في كتب التاريخ حول قصّة أزدهاك وگاوا، وورد اسم گاوا في المصادر العربية بصيغة (كاوا)؛ لأن حرف (گ) غير موجود في الخط العربي، فكُتب بصيغة (ك)، وظلّ الكورد يحتفلون مع الفرس في نوروز بحسب أحداث تلك الأسطورة الفارسية المختلَقة.
وفي أوائل القرن العشرين، ومع نهوض الوعي القومي الكوردي، أحيا بعض المثقفين والساسة الكورد الاحتفالَ بعيد نوروز، واعتبروه عيداً قومياً وطنياً، واعتبروا أَزْدَهاك رمزاً إلى الطغيان، واعتبروا (كاوا) رمزاً إلى النضال ضدّ العبودية والطغيان، وخاصّة أن كوردستان كانت قد قُسّمت بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، وتعرّض الكورد لمختلف أنواع القهر والصهر، وبسبب قلّة المعلومات التاريخية حينذاك خَفيت عليهم اللعبة الفارسية الماكرة.
وبهذه المناسبة أذكر أن عمّي علي- رحمه الله- كان إذا وصف شخصاً بالدهاء والمكر يقول Mexrezê xwe ya hûre؛ أيْ أن مخرَزَه دقيق جدّاً، والقصد أنه يجيد المكر ويصعب اكتشاف ألاعيبه. وكذلك مَخْرَز نُخب الفرس، فهم ماهرون في اختلاق القصص التي تخدم أغراضهم السياسية، ولا قيمة حينئذ لا لحقائق التاريخ والواقع، ولا لمنطق العقل.
وجدير بالذكر أنه حينما أسقط العرب إمبراطوريةَ الفرس، وبقصد تشويه سمعة الحكم العربي، أعاد بعض مؤرّخي الفرس صياغةَ قصّة (أَزْدَهاك وكاوا)، وحرّفوا اسم أَزْدَهاك إلى (الضَّحّاك)، مستفيدين من التقارب الصوتي بين الكلمتين، وزعموا أن الضحّاك كان عربياً أصلُه من اليمن، وأنه قتل أباه الملك مِرْداس ليَحُلّ محلّه في الحكم، ونسبوا إليه كل ما نسبوه إلى الملك الميدي أَزْدَهاك، بل أكثر من ذلك.
وإنني أثير موضوع قصّة أَزْدَهاك وكاوا ليس للتنفير من الاحتفال بعيد نوروز، لا، فنوروز أعظم أعيادنا القومية والوطنية، والاحتفالُ به واجب قومي ووطني مقدّس، وإنما أثير الموضوع لهدفين:
الأول: ضرورة أن نغربل- نحن الكورد- المعلومات الواردة في المصادر الشرق أوسطية، وحتّى في بعض المصادر العالمية أيضاً مثل "تاريخ هيرودوت"، ونعيدَ كتابة تاريخنا على أسس علمية وواقعية، وبعيداً عن الخرافات والاختلاقات المدسوسة.
الثاني: أن نعيد النظر في قصّة (أَزْدَهاك وكاوا)، ونكفَّ عن المشاركة في تبشيع واحد من أعظم ملوكنا، ونوقفَ صبَّ اللعنات عليه في عيدنا الأعظم (نوروز).
ما ذكرته هو اختصار شديد جدًاً لمؤامرة كبرى، وأعرف أن ثمّة تساؤلات عديدة، وآمل أن أتمكّن مستقبلاً من ذكر أحداث هذه المؤامرة بالتفصيل في كتاب مستقلّ.
نَوْرُوز (نُوروژ Nûroj) عيدٌ آرياني قديم جداً، تاريخُ نشأته غير معروف، يحتفل به الكورد والفرس والبُلوش والأفغان والتّاجيك أيضاً، وله ثلاث دلالات رئيسة:
- دلالة دينية: مرتبطة بالديانة اليَزدانية الشمسانية، فإشعال النار عند غروب شمس يوم 20 مارس/آذار رمزٌ إلى انتصار النور على الظُّلمة، والأرجح أن ابتهالات دينية كانت تُنشَد في تلك المناسبة مصحوبة بألحان موسيقية، وبقي اصطحاب الابتهالات بالموسيقى إلى الآن في التراث الأَيزدي، واليارْساني (كاكايي)، والآلاوي (عَلَوي).
- دلالة بيئية: مرتبطة بالاعتدال الربيعي، وتساوي الليل والنهار، وتجدّدِ الحياة في النباتات والأشجار، وولادةِ الخراف، وما يصاحب ذلك من حفلات الرقص والغناء في أحضان الطبيعة الجميلة، تعبيراً عن الفرح، واستبشاراً بالخير في البيئة الرَّعوية الزراعية.
- دلالة قومية: أصبح عيد نوروز جزءاً من التراث القومي الوطني للشعوب الآريانية ومنها الكورد، وربما كان في عيد نوروز يتمّ الاحتفال بتنصيب ملك على العرش، أو بالانتصارِ على عدوّ، أو الخلاصِ من طاغية.
وأحداث قصة أَزْدَهاك وكاوا مرتبطة بعيد نوروز، وكنت أعتقد أنها حقيقة تاريخية، وتبيّن لي بعدئذ أن وراءها مؤامرة على الملك الميدي الأخير أزدهاك، وفي 20 – 3- 2015، نشرت مقالاً بعنوان "إلى متى نُؤبلس مَلِكَنا العظيم أَزْدَهاك في نوروز؟"، وأعود مرة أخرى إلى الموضوع نظراً لأهمّيته.
الميد والفرس:
قبل الميلاد بحوالي ألف عام كان الفرس والميد (أسلاف الكورد) شعبين متجاورين، وواقعين تحت احتلال امبراطورية آشور، وظهر في الميد أربعة ملوك:
ـــ الأول: دَياكو (دَهاكو) مؤسّسُ مملكة ميديا حوالي عام 727 ق.م، وثار على مملكة آشور ووقع في الأسر.
ـــ الثاني: خَشاتْرِيت بن دَهاكو، يسمّى (فَراؤوت/براؤرت) أيضاً، سيطر على بلاد فارس، وهاجم مملكة آشور، وقُتل في المعركة عام 653 ق.م.
ـــ الثالث: كَيْخُسْرُو بن خَشاتْرِيت، أسقط مملكة آشور عام 612 ق.م، وحرّر القسمَ الأكبر من بلاد أسلاف الكورد، وتوفّي عام 585 ق.م.
ــــ الرابع: أزْدَهاك بن كَيْخُسْرو، ولعلّ اسمه (أَزْد دَهاك) بمعنى (دَهاك الأزداني/اليَزْداني) نسبةً إلى الإله الآرياني (أزْدان= يَزْدان)، وكان صاحبَ مشروع إمبراطوري، فأوصل حدود مملكة ميديا إلى أفغانستان شرقاً، وإلى المحيط الهندي جنوباً، وإلى البحر الأبيض المتوسط.
كان أَزْدَهاك ملكاً طموحاً وشجاعاً وحازماً، ومتشدّداً في محاسبة المسؤولين على تنفيذ المهمّات، فأثار نقمة بعض الزعماء الميد بقيادة هارپاگ قائد الجيش الميدي، وتآمرَ هارپاگ سرّاً مع الملك الفارسي كُورش الثاني، ودفعه إلى الثورة على أَزْدَهاك عام 553 ق.م، فتصدّى له أَزْدَهاك، وخلال المعركة تظاهر هارپاگ وأتباعه بالهزيمة، بحسب الاتفاق مع كورش، فخسر أَزْدَهاك المعركة.
تراجع أَزْدَهاك بمن بقي معه من المقاتلين إلى العاصمة أَگْباتانا (هَمَدان)، وسلّح الشعب، وقاد المقاومةَ ضدّ الفرس والميد المتآمرين معهم، لكن المهاجمين احتلّوا أَگْباتانا عام 550 ق.م، ووقع أَزْدَهاك أسيراً في قبضة كُورش، ثم أرسله كُورش ليُسجَن في مكان بعيد بشمال شرقي إيران، وفي الطريق تُرك في الصحراء يموت جوعاً وعطشاً، وبذلك قُضي رسمياً على مملكة ميديا.
والمثير للانتباه أن هارپاگ زار أزدَهاك في السجن ليتشفّى منه، وحينما ذكر هارپاگ أنه قاد المؤامرة عليه، غضب أزْدَهاك جداً، وأنّبه قائلاً:
"إذنْ فأنت لست الأشدَّ لؤماً بين البشر وحَسْب، بل أكثرَ الرجال غباءً؛ فإذا كان هذا من تدبيرك حقّاً، كان الأجدر أن تكون أنت الملك، ... وإذا كان لا بدّ لك من أن تُسلّم العرشَ لآخر غيرك، فكان الأجدر بك أن تقدّم هذه الجائزة لميدي بدلاً من فارسي، لكن الحال القائمة الآن هي أن الميديين الأبرياء من كل جُنْحَة [جريمة] غدوا عبيداً بعدما كانوا أسياداً، وأصبح الفرس سادةً عليهم بعد ما كانوا عبيداً عندهم" [تاريخ هيرودوت، ص 93]. وهذا دليل على مدى إخلاص أزدَهاك لشعبه ووطنه، ومدى غَيرته الوطنية ووعيه القومي.
في عمق المؤامرة:
في البداية تظاهر كورش بأن الحكم مشترك بين الفرس والميد، وعيّن القادةَ الميد المتآمرين وغيرَهم في مناصب عليا، وفي الوقت نفسه بدأ بتقوية النفوذ الفارسي في المملكة، وتصاعد نهجُ تفريس السلطة والثقافة والثروة في عهد ابنه الملك قَمْبَيز Gembêj، وجدير بالذكر أن قَمْبَيز كان طاغيةً، سفّاكاً للدماء، يُصاب بنوبات جنون، وأدّت سياسة التفريس إلى صحوة بعض قادة الميد والبدء بالثورات، وأبرزها ثلاث ثورات:
1- ثورة الزعيم الميدي گَاوُوماتا عام 522 ق.م في عهد قَمبيز.
2- ثورة الزعيم الميدي فراؤُرْت عام 521 ق.م. في عهد دارا الأول.
3- ثورة الزعيم الميدي چَيتْران تَخْمَه في عهد دارا الأول أيضاً.
فشلت الثورات الثلاث، وقُتل قادتُها وأتباعهم بوحشيّة، وشدّد ملوك الفرس قبضتهم على ميديا، ونسبوا حضارة الميد إلى الفرس، وكان الملك قَمْبَيز قد أوصى قادة الفرس قُبيل وفاته؛ بألّا يسمحوا للميديين بإقامة مملكة ميديا مرة ثانية مهما كلّف الأمر، فشنّ الفرس على الميد حملة تشويه وتبشيع شاملة في مجالين:
ـــ المجال الديني:
كان الميد أتباع الديانة اليَزدانية، ورفضوا دينَ النبي الميدي زَردشـت، فلجأ زَردشت إلى الحاكم الفارسي هَشْتاسْپ والد الملك دارا الأول، واعتنق هَشْتاسْپ وأتباعُه الزَّردشتية، واتّخذ الفرسُ الزَّردشتيةَ أيديولوجيا لمحاربة الدين اليَزداني بمختلف مذاهبه، ولمحاربة النفوذ السياسي الميدي، وشوّهوا سمعة رجال الدين اليَزدانيين (موغ = ماغ= مَجوس)، ونسبوا إليهم أعمال السِّحر والكُفر.
ــ المجال السياسي:
بدأ ملوك الفرس عمليةَ تفريس المملكة سياسياً وإدارياً، وأصبح ذلك منهجاً سياسياً دائماً تنفيذاً لوصيّة الملك قَمْبَيز، وفي هذا الإطار تمّ تغييبُ تاريخ ملوك ميديا وأمجادهم، وتبشيع صورة الملك الميدي الآخير أَزْدَهاك.
وفيما يلي الخطوط العامّة للمؤامرة على أَزْدَهاك باختصار شديد.
ورد في تاريخ الفرس الأسطوري؛ أن بِيوَراسْپ اغتصب العرش من وريث شرعي يُدعى (فَريدُون)، وذات يوم ظهر إبليس لبِيوَراسْپ في زيّ طبّاخ ماهر، وقبّل كتفيه، فنبتت على كتفي بِيوَراسْپ حيّتان (تِنّينان= أژدِها Ejdiha)، وكانتا تؤلمانه، فظهر له إبليس في زِيّ طبيب، ونصحه بقتل شابّين كلّ يوم، وتغذيةِ الحيّتين بمخّيهما، وتضايق الفُرس من قتل أبنائهم، فثاروا على بِيوَراسْپ، وقاد الثورةَ الحدّاد گاوَه (گاوا)، وهو من أَصْبهان ( أَسْپان Espan، كانت مدينة ميدية)، وقُتل بِيوَراسْپ، وأعاد گاوا العرشَ إلى فَريدُون، واتّخذ الفرس ذلك اليوم عيداً باسم (نوروز).
ونعتقد أنه، في مرحلة لاحقة، دمج مؤرّخو الفرس بين شخصيتَي بِيوَراسپ الفارسي وأَزْدَهاك الميدي، ونسبوا قصّة الحيّتين إلى أَزْدَهاك، مستفيدين من الشبه اللفظي بين (أَزْدَهاك) و(أَژْدِها)، وفي الوقت نفسه نسبوا الثائر الميدي گَاوا إلى الفرس، وبتعبير آخر: إنهم عكسوا الأدوار، فجعلوا الملك الطاغيةَ ميدياً والثائرَ فارسياً، ودسّ المؤرّخون والأدباء الفرس هذه الرواية بصيغ متنوّعة في كتب التاريخ خلال القرون الثلاثة الأولى من العهد الإسلامي.
اللُّعبة الفارسية:
خلال قرون الاحتلال الفارسي حُرِم الكورد من معرفة تاريخَ أسلافهم الميد، وصدقوا ما دسّه مؤرّخو الفرس في كتب التاريخ حول قصّة أزدهاك وگاوا، وورد اسم گاوا في المصادر العربية بصيغة (كاوا)؛ لأن حرف (گ) غير موجود في الخط العربي، فكُتب بصيغة (ك)، وظلّ الكورد يحتفلون مع الفرس في نوروز بحسب أحداث تلك الأسطورة الفارسية المختلَقة.
وفي أوائل القرن العشرين، ومع نهوض الوعي القومي الكوردي، أحيا بعض المثقفين والساسة الكورد الاحتفالَ بعيد نوروز، واعتبروه عيداً قومياً وطنياً، واعتبروا أَزْدَهاك رمزاً إلى الطغيان، واعتبروا (كاوا) رمزاً إلى النضال ضدّ العبودية والطغيان، وخاصّة أن كوردستان كانت قد قُسّمت بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، وتعرّض الكورد لمختلف أنواع القهر والصهر، وبسبب قلّة المعلومات التاريخية حينذاك خَفيت عليهم اللعبة الفارسية الماكرة.
وبهذه المناسبة أذكر أن عمّي علي- رحمه الله- كان إذا وصف شخصاً بالدهاء والمكر يقول Mexrezê xwe ya hûre؛ أيْ أن مخرَزَه دقيق جدّاً، والقصد أنه يجيد المكر ويصعب اكتشاف ألاعيبه. وكذلك مَخْرَز نُخب الفرس، فهم ماهرون في اختلاق القصص التي تخدم أغراضهم السياسية، ولا قيمة حينئذ لا لحقائق التاريخ والواقع، ولا لمنطق العقل.
وجدير بالذكر أنه حينما أسقط العرب إمبراطوريةَ الفرس، وبقصد تشويه سمعة الحكم العربي، أعاد بعض مؤرّخي الفرس صياغةَ قصّة (أَزْدَهاك وكاوا)، وحرّفوا اسم أَزْدَهاك إلى (الضَّحّاك)، مستفيدين من التقارب الصوتي بين الكلمتين، وزعموا أن الضحّاك كان عربياً أصلُه من اليمن، وأنه قتل أباه الملك مِرْداس ليَحُلّ محلّه في الحكم، ونسبوا إليه كل ما نسبوه إلى الملك الميدي أَزْدَهاك، بل أكثر من ذلك.
وإنني أثير موضوع قصّة أَزْدَهاك وكاوا ليس للتنفير من الاحتفال بعيد نوروز، لا، فنوروز أعظم أعيادنا القومية والوطنية، والاحتفالُ به واجب قومي ووطني مقدّس، وإنما أثير الموضوع لهدفين:
الأول: ضرورة أن نغربل- نحن الكورد- المعلومات الواردة في المصادر الشرق أوسطية، وحتّى في بعض المصادر العالمية أيضاً مثل "تاريخ هيرودوت"، ونعيدَ كتابة تاريخنا على أسس علمية وواقعية، وبعيداً عن الخرافات والاختلاقات المدسوسة.
الثاني: أن نعيد النظر في قصّة (أَزْدَهاك وكاوا)، ونكفَّ عن المشاركة في تبشيع واحد من أعظم ملوكنا، ونوقفَ صبَّ اللعنات عليه في عيدنا الأعظم (نوروز).
ما ذكرته هو اختصار شديد جدًاً لمؤامرة كبرى، وأعرف أن ثمّة تساؤلات عديدة، وآمل أن أتمكّن مستقبلاً من ذكر أحداث هذه المؤامرة بالتفصيل في كتاب مستقلّ.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كوردستان!
========================
========================
وجهة نظر وُجب ارفاقها مع المقالة
يقول بعض الكُتاب الكورد ان يوم 21 اذار هو يوم سقوط نينوى وانهيار المملكة الاشورية عام 612ق.م بيد البابليين والميديين وغيرهم بقيادة القائد الميدي "كي خسرو" الذيي يسميه الكورد "كاوا"
يقول بعض الكُتاب الكورد ان يوم 21 اذار هو يوم سقوط نينوى وانهيار المملكة الاشورية عام 612ق.م بيد البابليين والميديين وغيرهم بقيادة القائد الميدي "كي خسرو" الذيي يسميه الكورد "كاوا"
واصبح ذلك اليوم عيد يحتفل به اقوام تلك المنطقة "الفرس والافغان والكورد والتاجيك..الخ" لتخلصهم من ظلم المملكة الاشورية
والذي يعطي لهذه الفكرة نوعا من الصحة
هو ان مملكة آشور كانت دولة عسكرية تقوم على العبيد
ويقال عن الملك الاشوري واسرحادون (والد آشور بانيبال) انه كان مهووسا بحب إذلال الملوك حيث كان يجبر الملوك التابعين له على المجيء إلى عاصمته والعمل في ظروف قاسية لبناء قصوره في نينوى..........
والذي يعطي لهذه الفكرة نوعا من الصحة
هو ان مملكة آشور كانت دولة عسكرية تقوم على العبيد
ويقال عن الملك الاشوري واسرحادون (والد آشور بانيبال) انه كان مهووسا بحب إذلال الملوك حيث كان يجبر الملوك التابعين له على المجيء إلى عاصمته والعمل في ظروف قاسية لبناء قصوره في نينوى..........
الكاتب: د.احمد خليل (سوزدار ميدي)
تنثيق+اضافة اخر فقرة:Hassan Rame
إرسال تعليق